top of page
  • KYNUNAH

الذيب يايمه عوى | سالم الخزام في السامرية الشهيرة

أبدية الصحراء تنبض في الطار

الذئب صوت الجوع الصريح..

وحائل لاتزال كأميرة تحلم


خـــــــــاص - كينونــــة


الذئب أحد أهم المساهمين في سيمفونية الحياة الصحراوية- بشكل ماهو مسؤول عن تنوع كبير في مخيلتنا الإبداعية، بل إنه مسؤول عن ازدهار سلسلة طويلة من القصائد العربية. ليس من المستغرب أنه (كعدو أو صديق) قد دفع بالشعراء ومنذ أزمان غابرة، أولئك المبتكرين الأساسيين لنوعية حياتنا العاطفية، الدافعين بنا إلى نشوة الطرب والخيال. إلى تبجيل حضوره والتأمل في صفاته، سكناته وحركاته. خصوصاً تلك الصفات التي هي وعلى نحو مدهش.. تشبه بعضا من صفات الإنسان.

هذه المخلوقات القوية والعنيدة ، مادة معجزة لأدبنا

هذه المخلوقات القوية والعنيدة ، مادة معجزة لأدبنا لدرجة أن نكهة حضورها لم تفسد بمرور آلاف السنين - لقد دامت فكرة الذئب أكثر من القصائد التي صنعت منه معجزة. قال الأحيمر السعدي في البيت الشهير:

عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى…..وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ

تطلب أمر السامرية السعودية الأشهر (الذيب يايمه عوى) من شاعرها الذي هو من أواخر أعظم شعراء السامريات الأحياء، الإصرار على خيار الخلق (الأصيل) أسوة بمعظم شعراء الجزيرة العربية المعاصرين منهم خصوصاً، ومن منطق السخاء في تقدير الصحراء التي هي الإنسان/ والتي هي الذئب. سالم بن ابراهيم الخزام، في موقف البحث عن الإنسان في حياة أخرى صديقة. تأمل في ماوراء المسمى الحيواني إلى رمزيته، الذئب كحامل لصفات مدهشة وكشريك مثالي لعلاقة تستحق تقدير أعظم رجال الصحراء.. بينما يقول شالح بن هدلان القحطاني يرثي ابنه ذيب:

يا ذيب أنا بأوصيك لاتأكل الذيب....كم ليلةٍ عشاك عقب المجاعه

ومثله حين يتغنى الشاعر محسن الرقعي بجيرة الذئب..في زمن لم يعد فيه الذئب في الحقيقة،عدواً .. بل أسطورة متجلية في خيال الإنسان تشير إلى رقي صفات الإنسان الذي هو من القوة بمكان أن يحتويه رغم (خطره الأكيد) :

حنا بريه باللقاء نشبع الذيـب…..فى ساعةٍ تنسى العذارى حياها

ذات الموقف يصلنا من خلف بن هذال حين:

الذيب خاوى من عصور الصحابه…..له خوةٍ تصدق مع أهل المواجيب

ونايف صقر وهو يجسده في الإنسان:

الذيب ياما بات فـي صـدر رجـال…..علـى دروب متعبـيـن المطـيـه

عقب اذبحه جوعه على روس الاقذال…..وجر العوا في كـل صـوب ونحيـه

حقيقة تكرر الذئب كرمز حاضر يشيد بمعنى الكرم، عبر قصائد هؤلاء الشعراء وفي صورهم المتخيلة، تعني ببساطة أنه لم تعد ثمة طرق أخرى لفهم هذا الوعي برمزية الذئب ، سوى عن طريق هذا المعنى الذي أِشاروا إليه (الكرم). هنا يأتي دور القصيدة محل هذا الموضوع (الذيب يايمه عوى) والذي خط بها سالم الخزام، معنى عاطفي في غاية الجمال تكسر كامل البناء الرمزي الذي يتعلق بوحشية الذئب مقابل كرم الإنسان.. مع الخزام تأمل الذئب يأتي من منطقة أخرى من الداخل لاتخشع لصورة الذات.. بقدر ماتخشع لتأمل روح هذا العالم في صورة مخلوقاته..بدوي بكرم آخر حيث التجاوب مع الأحياء في بيئته (في رمز الذئب).. له التقدير والاحترام، بل وأكثر.. الحب!.

يجعل الخزام من الذئب والجبل.. رمزيتين أحدهما حتما للحبيب.. أما الأخرى فتشير إلى عدد من المعاني يبدع الخزام في جعلها تتلون في كل بيت بمعنى مختلف عن الآخر.

(الذيب يايمه عوى) القصيدة التي كتبت في الأساس كسامرية. نسمع بها صوت الأرض المتشعب بانتظام مدهش، يصلنا صوت الإخلاص الذي على وشك أن يُخدع، تحت هذا النداء وخلفه، يبرز الخزام المشهد النبيل للمحب بكل دماثته وحماقته الضرورية، ألمه الأعمى والمّلح، يتم غناء هذا الإنسان من منظور يعمل على الرفع من قيمة حسنا الإنساني- يرفع من قيمة حقيقتنا جميعًا كبشر ضعفاء ولكننا أيضاً..رحماء ومحبين.

حساسية آسرة لكلمة الخزام..عبقرية في تكرار الجملة الواحدة التي ستعطي في كل بيت معنى ومدى جديداً، بالرغم من أن هذا هو مايفترضه السامري بعيداً عن تكوين القصيدة الأصلي..ولكنها جاءت متناسبة حتى لكأنها جزء أصيل من القصيدة. العجز الثاني هو إما (الجبل مرباه) أو (مدري وش نوحه). (الجبل مرباه) ستأتي مرة للإشارة إلى علو صوت الحبيب الذئب، والنداء البعيد..كون الجبل مرباه. ومرة أخرى ستأتي بمعنى الفراق والبعد (المكاني) الصعب..كون اختياره للفراق لن يكون سهلاً والجبل مرباه. مرة ثالثة ستأتي للإشارة إلى غرور الحبيب سليل الجبل.. وأخرى بعدها للإشارة إلى أصالته وطيب معدنه كون الجبل مرباه. تتعدد قراءات هذا الشطر مع سلاسة أخاذه ليس بمستغرب معها أن تعيش هذه السامرية في وجدان الناس بكل هذا الألق. مع جملة (مدري وش نوحه) والتي هي أيضا مكررة على طول القصيدة تتعدد بدهشتها الضمنية..ومع كل دهشة.. ينشأ منها سؤال جديد:

الذيـب يايمـه عـوى…..والجـبـل مـربـاه

شبعان يمـه ويعـوي…..مـدري وش نوحـه

خلي على الفرقا نـوى…..والجـبـل مـربـاه

اللي كوى قلبي كـوي…..مـدري وش نوحـه

شوفـه لخفَّاقـي دوى…..والجـبـل مـربـاه

قلبي يضيق ويلتـوي…..مـدري وش نوحـه

جينا نبي نلعب سـوا…..والجـبـل مـربـاه

أبيه بالملعـب خـوي…..مـدري وش نوحـه

يقول لي مالـك لـوا…..والجـبـل مـربـاه

وانا بعون الله قـوي…..مـدري وش نوحـه

حبل الموده ماانطـوا…..والجـبـل مـربـاه

واشوف خلي منطوي…..مـدري وش نوحـه

عوده من الزين ارتوى…..والجـبـل مـربـاه

ضبيٍ وبه عرق بدوي…..مـدري وش نوحـه

نشأت عن هذه السامرية قصة نلمح فيها افتتان حائل بفن السامري، حيث أنجبت أهم الشعراء والفرق. ظهرت قصيدة بعد هذه القصيدة مشابهة لها. انتشرت وأصبحت سامرية لها حضورها البارز. تبين أنها لشاعرة من حائل تكتب باسم مستعار هو: (عيون المها). تقول في قصيدتها:

الذيب يا يمه عوى ... يا بعد حيي

واصبحت اجاوبه العوى ... لعنبو حيه

مدري من الجوع التوى ... يابعد حيي

ولا تذكر له خوي ... لعنبو حيه

وش حيلة القلب انشوى ... يا بعد حيي

فرقاه تشويني شوي ... لعنبو حيه

القلب يصفق بالهوى ... يابعد حيي

وانا لحبه مهتوي ... لعنبو حيه

ياليت انه يوم قوى ... يابعد حيي

تذكر اللي ما قوى ... لعنبو حيه

ذيب (ن) تذكر له خوي ... يابعد حيي

الشائعات وصلت حد التشكيك في ملكية سالم الخزام لقصيدته الأصلية

تشابه القصيدتين أنتج الكثير والكثير جداً من الشائعات. التي وصلت حد التشكيك في ملكية سالم الخزام لقصيدته الأصلية. لكن سالم الخزام رد على هذا، من خلال أحد المنتديات التي لانستطيع الآن الوصول إليها ولكنها توضح أن العجز المتكرر في القصيدة الثانية والذي هو في غاية الجمال لشد ما يحمل من صوت وروح حائل هو في الأصل من اقتراحه، ولكن القصيدة الثانية ليست له. يقول في جزء من رده:

" اضطررت للدخول هنا برغم أنني اعتزلت المنتديات منذ زمن لانشغالي عنها وحرصي على الإبتعاد عن المتابعة التي من شأنها وضعي في قلق دائم .

لكن هذا الموضوع متعلق بي شخصيا علمت ذلك من أحد الأصدقاء الذي ألح علي بالدخول لتجلية اللبس

فأقول مستعينا بالله

قصيدتي (الذيب يايمه عوى) لم تكن من القصائد ذات القوة التي تحتل قناعتي .ولي من القصائد ماهو أفضل منها بكثير لكن اللحن الجميل الذي اخترته لها هو الذي أوصلها لهذه الشهرة .

ثم ان لحنها المؤثر هو ماجعل بعض الشعراء يعارضونها (يجارونها) حسب التعبير السائد .

عندما غنيت بلحنها السامري الجميل . سجلت لدى الإذاعة السعودية البرنامج الأول وأذيعت لعدة مرات .

ثم ان الشاعرة الأخت عيون المها والتي ترتبط اسرتي وأسرة زوجها وشائج مصاهرة قديمة وحديثة كتبت قصيدة (مجاراة) على نفس الوزن والروي بنفس المطلع (الذيب يايمه عوى) .

أما اللزمة التي اقترحتها لقصيدتي (الجبل مرباه) و (مدري وشنوحه) فالشاعر المتمكن يعلم أنها ليست من القصيدة وإنما هي لزمة اضطرها اللحن .واختياري لها من البيئة الحائلية يأتي لإضفاء شيء من الجمال عليها .وعندما قرأت مجاراة الشاعرة الرائعة عيون المها اقترحت عليها تغيير اللزمة بـ (يابعد حيي) و( لعنبو حيه) وهما أيضا من البيئة الحائلية فوافقت الأخت عيون المها بلا تردد. أردت بهذا إعطاء قصيدتها تميز آخر ثم لعدم الخلط بين القصيدتين .

واللزمة في القصيدتين تم اختيارهما بعناية وهما بدلا من ( يالا لا لا لا ) أو (يانظر عيني ) او ( ليلا دان لادان) أو كما هو شائع عند البادية (ياخلف ميتي ) الخ.

من هنا يتبين أن اللزمة ليست من القصيدة وإن كانت عندما التصقت بها غناءا والقاءا جزء منها عند العامة .

آمل ان يكون بهذا التوضيح مايكفي حفظكم الله " انتهى كلامه.

من مجمل هذه القصة نلمس أهمية السامري كجزء من وجدان الإنسان السعودي، صوت أبدعته أرضنا يعبر عن جزء أصيل من روح أمتنا. إبداع يحمل خفق الطيران المتدرج.. ليعكس خجل الروح التي تتفتح شيئا فشيئا نحو العالم الكثيف والصاعد لتنسجم في إيقاع الحياة الفتي. الحناجر التي تغني جماعياً كآلة شديدة الخصوصية تقود الرتم الموسيقي الذي نقرأه في قول الأديب الفرنسي فيكتور هوجو: "الموسيقى تعبر عن ما لايمكن للكلمات شرحه, وما لايمكن ان يبقى صمتاً ".ننعجن في دهشة هذا الإبداع الذي يجسد دواخلنا..يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: "إذا أردت أن تتعرف على حضارة أمة من الأمم, فاستمع إلى موسيقاهم".

موسيقانا في جزء منها سامرية .. يُفيد جذر (سمر)، وفق ما ذكر ابن منظور في لسان العرب: معنى السهر تحت ضوء القمر. وقال اللحياني: معناه ما سمر الناس بالليل وما طلع القمر، والمسامرة منه هي الحديث في الليل، والسامر والسمّار هم القوم الذين يسمرون بالليل أي يتحدثون.

في اللون السامري ايقاع دف الطار يوحي بالأبدية مثل نبضات القلب، وبالقدم كما تفعل الصحراء تماماً.

في اللون السامري ايقاع دف الطار يوحي بالأبدية مثل نبضات القلب، وبالقدم كما تفعل الصحراء تماماً. استنادًا إلى المكتشفات الأثرية فالدف معروف في حضارتنا منذ الألف الثالث قبل الميلاد. وهو أسطوانة كبيرة مصنوعة من الخشب مع غشاء من جلد الإبل، يقلب الطار على الجمر للسماح بإنتاج صوت أضخم بعد أن يشتد جلده بفعل الحرارة، وهو يستخدم في الفلكلور السعودي بكثافة ويحضر في معظم الاحتفالات، وهو في السامري يتجاوب مع مجموعة أخرى من الطبول التي تنبض مع قلوبنا ، لتتنادم أرواحنا على إيقاعها.

أحمد الواصل يغوص في تاريخ اللون السامري ـ بحسب بحثهـــــ يعود السامري إلى العهد البابلي، منتقلاً من المعابد البابلية مروراً بتلك اليهودية والمسيحية قبل تحوّله إلى لون غنائي دنيوي فردي وجماعي.

ربما لأجل هذا يوحي بالعمق ويتداخل مع وعينا بطريقة آسرة.

سالم الخزام أثر في أجيال من محبي الحياة ، مستثمراً في أعمق طبقات عاطفتنا.

لاعجب معه نعي أن ..السامري ..أبدية الصحراء تنبض في الطار

الذئب صوت الجوع الصريح..

وحائل لاتزال كأميرة تحلم..




تريد ان تسمع نبض الصحراء!.. أنظر هنا:


bottom of page