top of page
  • KYNUNAH

الثقافة السعودية وغريزة البقاء

مجد نجاتنا الذي أعطانا دليلاً لايمكن أن ينطفـئ

لجـدوى الانتمـاء لبعضنـا البعـض


01- من سلسلة كينونة المجتمعات الثقافية في المملكة. بقلم : ضياء الهلال



بقلم ضياء الهلال



لفتني لقاء سفير المملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة الأمير خالد بن بندر بن سلطان وكلماته عن تاريخ الإنسان السعودي ونزعته ودافعه الوحيد (غريزة البقاء) وماتطور عن هذا من ميل إلى الجماعة على الفردانية، إذ الفردانية معادل للأنانية في هذا السياق.

وجدتني أربط هذا بهدفنا في سدرة لتكوين مجتمع ثقافي حيوي. وأفكر بحجم التضافر المطلوب في مجتمعاتنا الثقافية اليوم أكثر من أي وقت مضى.. للحقيقة الكامنة خلف هذا المعنى. وأقصد هنا التضافر للتعلم من أسلافنا طرقاً لبعث القوة الجماعية لمواجهة الضعف الفرداني ومواجهة قلق العصامية بمضاد قوي للإحباط والعجز. .

قديماً عندما كان البقاء مسألة إعجازية إلى حد كبير. أسلافنا الذين عاشوا يدينون ببقائهم على قيد الحياة للخيارالشجاع لدعم بعضهم والدفاع عن الجميع بدل الدفاع عن أنفسهم فقط. لقد سمحوا بتغذية مرونة تكيفهم بالانتماء إلى الآخر، الأمر الذي وفر لهم ملاذًا، وسبيلاً لاستعادة كرامتهم الإنسانية أمام قسوة البيئة الصحراوية المستحيلة.

إذا كان هناك سر يفسر تمسكنا ببعضنا غير المفهوم لمئات الكتب التي تفشل أعوامًا وراء أعوام في التنبؤ بردات أفعال مجتمعنا، فهو هذا السر الذي نقرؤه في طبيعة مصير تكاتفنا، في مجد نجاتنا الذي أعطانا دليلاً لايمكن أن ينطفئ لجدوى الانتماء لبعضنا البعض. فبوحدتنا تم إنقاذنا، وبهذا المعنى الذي قام عليه إحياء أرضنا يكمن اللغز الأبدي للحمتنا الوطنية.

نجح رجل استثنائي، في الفوز بانتماء الناس إليه وحتى الدعم الكامل والأكثر حماسة من جانب شعب الجزيرة، هذا الحس بالانتماء لم يسبق له مثيل في صحراء الجزيرة العربية، فكان المبرر الأسمى ليصبح هذا القائد، ملكاً للمملكة العربية السعودية. لقد أثبت مليكنا ومؤسس بلادنا -بعد أن منحنا سطوة طموحه وإرادته للتغيير- أن شريحة عظيمة من الناس مستعدون ومتحمسون للشعور بالقوة التي تمنحها الوحدة..مما يبرر لنا بقاء الانتماء المرادف لإرادة التغييرعلى قيد الجدوى والفعالية، واستمرار هذا بالحدوث بهذه الحيوية حتى يومنا هذا .

إذا عرفنا حجم الوعي بالخطر على الحياة الذي دفعنا للعمل على إحداث تغييرات هائلة في حياتنا كمجتمع سابقاً، سنعرف أصالة القيمة التي توارثناها تلقائياً لدور العمل الجماعي والدعم المتبادل في تكوين قوة مجتمعنا اليوم.

تاريخنا -بلا أدنى مبالغة- هو معجزة تطور، دفعنا ثمنها بإدراك مواز ليس فقط لهشاشتنا المذهلة دون بعضنا البعض، بل بالمكافآت العظيمة لحياة أكثر تمكينًا حتى في أكثر الظروف صعوبة. إن معجزة تتويج وعينا هي بلا شك قوة (الانتماء) لبعضنا البعض.

من عدسة (غريزة البقاء) الملحة للتكيف والحياة.. كان لأسلافنا هدف نبيل للعيش في نعيم (الكل) ففي هذا (الكل) كمال خفي لايعيه من هم خارجه. لذلك نحن أسياد الانتماء إلى الآخر ولاشك. وهذا يفسر ما يتغلغل في الدي ان اي خاصتنا من ميل لاحترام الاتحاد والروابط.. كتكامل للقيمة الداخلية وكمكمل لها مع العالم من حولنا. نشعر بالارتباك يتزايد كلما لمحنا صدعاً بين ذاتنا الفردية والذات الجماعية. بين عالمنا الداخلي ومانحتضنه من العالم الخارجي من حولنا. لنا العلامة الفارقة لفن إنقاذ الروح من الوحدة ومن حياة منقسمة لاتقوى على مواجهة الحياة.

ليس غريبا بهذا المعنى، أن تُلمس ألفتنا بشكل متزايد كلما تم الاقتراب من مجتمعنا. والذي من بعيد لا يُرى كما يرى من داخله.

هذا الجزء من الانتماء هو وجه من وجوه قابليتنا للتكيف عالية الأثر مع ظروفنا والتي مازالت تعيش فينا حتى اليوم بكل الأشكال..واقع يجب أن نوقره ونعتز به..حيث نبقى تبعاً له..أبناء الصحراء الذين يولدون (منتمين) بالدم.. وهو أمر يعتز به، إذ يكشف عن الانتماء كحالة سامية يلمع فيها نقاء إنساننا وحقيقته ويضاء من خلاله جزء أصيل من وعينا الإنساني. حيث يتبدى الفرق الشاسع بين الانتماء الذي يضطهد الروح والانتماء الذي يحررها، في واقع الحياة.

في إطار الثقافة، بينما نندفع نحو أكبر حالة تطور يشهدها مجتمعنا، يجب أن نقبل أنه لا يوجد في عالمنا فشل فردي، الفشل هو للجميع والنجاح كذلك أيضا. بهذا المفهوم يمكن لمجتمعات يجمعها الشغف والاهتمام أن تفكر وتشعر وتعكس طموحنا الفردي بصورة أقوى، وفي هذا الطريق المعبد بخطط واضحة يمكن أن نتمسك بمشاعرنا وبقدرتنا على الانتماء لشغفنا. وهكذا، يكون الاتجاه الوحيد لنا جميعاً هو الداخل. هذا هو الاتجاه النبيل للتركيز ومشاعر الوحدة. إنه اتجاه يتجاهل الإجابات الجاهزة ويتحول إلى الرحلة الشخصية للغاية لبناء المعنى الخاص بنا (جميعاً). إنه اتجاه يؤدي بنا إلى قلب التعبير الإبداعي والمصدر لرواياتنا الأكثر قوة. التضافر هو أداة قوية ورائعة لتغيير الواقع الخارجي. عندما يكون الترابط بيننا هو صورة ترابط الكون المهيب الذي خُلقنا فيه. وحاجتنا إلى الدعم والانتماء طبيعية..حتى أنها هي نفسها الضرورة الكامنة في أشكال متنوعة من العلاقات الطبيعية التي كونت الأصل العظيم للحياة.

بلا شك، الثقافة حالة من التفاوض المستمرة بين الانتماء لقوة المجتمع الثقافي القادرعلى إحداث التغيير.. وبين القوة الفردية للمبدع. والمجتمعات الثقافية عناصر حاسمة في أي محاولة لإحداث تغيير اجتماعي يتجه للمزيد من الحيوية والوعي والتطور. يكمن التحدي في أن طبيعة المجتمعات غالبًا ما يُساء فهمها ويتم الخلط بينها وبين التعصب الذي لا علاقة له بالتطور بل هو في الواقع عكس ذلك تمامًا.

من وجهة نظري، إذا كانت قدرتنا على الانتماء - وتقديم الدعم هي التي مهدت لأعظم إنجازات وطننا - هذه ( الوحدة ) التي نعيش في نعيمها اليوم!، فهي ذاتها القدرة الواعدة ، المتجذرة، في ممارساتنا الثقافية ومنجزاتنا الإبداعية!. نظرة مبسطة وعامة إلى تاريخنا الإبداعي يجعلنا ملزمين باحترام الدافعية والعملية المستمرة من الدعم المتبادل بين المبدعين الذين أسسوا لمختلف الممارسات الثقافية التي لم تكن قبلهم موجودة. أكاد أجزم أن الكثير من مبدعينا اليوم قد أقدموا على قرار أو موقف وأكثر في عمر ممارساتهم الثقافية، سمحوا فيه لثقافتنا بأن تؤكد لهم أنهم جزء من عالم، جزء من إيقاع. وربما شجعهم هذا على بناء تعاونات..تمخضت عنها مجتمعات صغيرة، ساهمت بشكل واضح أو غير واضح في تشكيل المجتمع الكبير للثقافة. إنها القدرة الرائعة على أن نشارك. نهتم. نكرس، نعتز. ونربح. كمجتمع. وأن نشعر بالإثارة لتحقيق إنجازات بعضنا، مع فخرنا بإنجازنا الأول: تكوين هذا المجتمع وهذه الحالة من الانتماء الأصيل في الأساس.

المجتمعات الإبداعية الناجحة مهما صغرت تبقى مقترحات مثالية لهزيمة سمات أساسية تجتاح العالم اليوم من مشاعر العجز والارتباك والتيه والإحساس المستمر بالاقتلاع. هي وسائل مقاومة جيدة تؤدي إلى مزيد من القوة والوضوح والثقة..بل وأكاد أجزم أنه لا يمكن لعوالمنا الداخلية كمنابع للإبداع، أن تنجح دون منح الاهتمام للعوالم الخارجية التي تحيط بهذه المنابع وترعاها.

إذا كان بإمكان المرء منا أن يمد يده، إلى نفسه ، وإلى الآخر - ووجد هناك مجتمع داعم لذلك، فسيتم تمكينه (بالاهتمام) ولاشك، لمواصلة التعامل مع الغد بقوة، يجب على المرء أن ينظر إلى نفسه على أنه الوصي على ذاته الفريدة من نوعها وعلى شعوره بالوحدة مع العالم الذي يعيش فيه.

كمثقفين مسلحين بالإدراك..علينا أن نحاول، علينا أن نتخطى الانقسامات التي تفرضها المصالح، وباتت تصبح ملحة وتشوه فرصنا واحتمالاتنا أكثر من أي وقت مضى، أن نعبر هاوية الريبة، مع قدر كبير من كرم الثقة في بعضنا البعض، والتي هي في الأساس الثقة بأنفسنا.

لنعبر نحو معجزة أن نتماسك ونتطور معا.


bottom of page